الرئيسية / من / طرائف الحكم / وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام عجل الله فرجه الشريف

وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام عجل الله فرجه الشريف

مقدّمة المركز:
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا محمّد وآله الطيِّبين الطاهرين.
الاعتقاد بالمهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) من الأُمور المجمع عليها بين المسلمين، بل من الضروريَّات التي لا يشوبها شكٌّ(١).
وقد جاءت الأخبار الصحيحة المتواترة عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّ الله تعالى سيبعث في آخر الزمان رجلاً من أهل البيت (عليهم السلام) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، وجاء أنَّ ظهوره من المحتوم الذي لا يتخلَّف، حتَّى لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد، لطوَّل الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتَّى يظهر.
وكيف وأنَّى يتخلَّف وعد الله (عزَّ وجلَّ) في إظهار دينه على الدِّين كلِّه ولو كره المشركون؟! وكيف لا يُحقِّق تعالى وعده للمستضعفين المؤمنين باستخلافهم في الأرض، وبتمكين دينهم الذي ارتضى لهم، وإبدالهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) روي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أُنزل على محمّد».
راجع: شرح إحقاق الحقِّ (ج ١٣/ ص ٢٣٥ و٢٣٦/ باب من أنكر خروج المهدي فقد كفر).

وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام – صفحة 2

من بعد خوفهم أمناً، ليعبدوه تعالى لا يُشركون به شيئاً؟!
وقد أجمع المسلمون على أنَّ المهديَّ المنتظر (عجَّل الله فرجه) من أهل البيت (عليهم السلام)، وأنَّه من ولد فاطمة (عليها السلام).
وأجمع الإماميَّة – ومعهم عدد من علماء أهل السُّنَّة – أنَّه (عجَّل الله فرجه) من ولد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فأثبتوا اسمه ونعته وهويَّته الكاملة.
هكذا فقد اعتقد الإماميَّة – ومعهم بعض علماء أهل السُّنَّة – أنَّ المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) قد وُلِدَ فعلاً، وأنَّه حيٌّ يُرزَق، لكنَّه غائب مستور.
وماذا تُنكِر هذه الأُمَّة أنْ يستر الله (عزَّ وجلَّ) حجَّته في وقت من الأوقات؟ وماذا تُنكِر أنْ يفعل الله تعالى بحجَّته كما فعل بيوسف (عليه السلام)، أنْ يسير في أسواقهم ويطأ بُسُطهم وهم لا يعرفونه، حتَّى يأذن الله (عزَّ وجلَّ) له أنْ يُعرِّفهم بنفسه كما أذن ليوسف ﴿
قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي
﴾ (يوسف: ٩٠)(٢).
أوَلم يُخلِف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أُمَّته الثقلين: كتاب الله وعترته، وأخبر بأنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليه الحوض؟!
أوَلم يُخبِر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه سيكون بعده اثنا عشر خليفة كلُّهم من قريش، وأنَّ عدد خلفائه عدد نقباء موسى (عليه السلام)؟!
وإذا كان الله تعالى لم يترك جوارح الإنسان حتَّى أقام لها القلب إماماً لتردَّ عليه ما شكَّت فيه، فيقرُّ به اليقين ويبطل الشكُّ، فكيف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢) الاستدلال منتزع من الكافي (ج ١/ ص ٣٨٤ و٣٨٥/ باب في الغيبة/ ح ٤).

وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام – صفحة 3

يترك هذا الخلق كلَّهم في حيرتهم وشكِّهم واختلافهم لا يُقيم لهم إماماً يردُّون إليه شكَّهم وحيرتهم(٣)؟!
وحقًّا ﴿
لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ
﴾ (الحجّ: ٤٥).
ولا ريب أنَّ للعقيدة الشيعيَّة في المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) – وهي عقيدة قائمة على الأدلَّة القويمة العقليَّة – رجحاناً كبيراً على عقيدة من يرى أنَّ المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) لم يُولَد بعد، يقرُّ بذلك كلُّ من ألقى السمع وهو شهيد إلى قول الصادق المصدَّق (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليَّةً»(٤).
ناهيك عن أنَّ من معطيات الاعتقاد بالإمام الحيِّ أنَّها تمنح المذهب غناءً وحيويَّة لا تخفى على من له تأمُّل وبصيرة(٥).
ولا ريب أنَّ إحساس الفرد المؤمن أنَّ إمامه معه يعاني كما يعاني، وينتظر الفرج كما ينتظر، سيمنحه ثباتاً وصلابةً مضاعفة، ويستدعي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣) انظر محاججة هشام بن الحَكَم مع عمرو بن عبيد في كمال الدِّين (ص ٢٣٧ – ٢٣٩/ باب ٢١/ ح ٢٣).
(٤) حديث مشهور تناقله علماء الطرفين في مجاميعهم الحديثيَّة بتعابير تتَّفق في مضمونها. انظر على سبيل المثال: مسند أحمد (ج ٤/ ص ٩٦)؛ مسند أبي داود (ص ٢٥٩)؛ المصنَّف لابن أبي شيبة (ج ٨/ ص ٥٩٨/ ح ٤٢)؛ المعجم الأوسط للطبراني (ج ٦/ ص ٧٠)؛ مجمع الزوائد (ج ٥/ ص ٢١٨ و٢٢٥)؛ وغيرها من المصادر.
(٥) انظر كلام المستشرق الفرنسي الفيلسوف هنري كاربون في مناقشاته مع العلَّامة الطباطبائي في كتاب (الشمس الساطعة).

وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام – صفحة 4

منه الجهد الدائب في تزكية نفسه وتهيئتها ودعوتها إلى الصبر والمصابرة والمرابطة، ليكون في عداد المنتظرين الحقيقيِّين لظهور مهديِّ آل محمّد (عليه وعليهم السلام)؛ خاصَّة وأنَّه يعلم أنَّ اليُمْن بلقاء الإمام لن يتأخَّر عن شيعته لو أنَّ قلوبهم اجتمعت على الوفاء بالعهد، وأنَّه لا يحبسهم عن إمامهم إلَّا ما يتَّصل به ممَّا يكرهه ولا يُؤثِره منهم(٦).
ولا يُماري أحد في فضل الإمام المستور الغائب – غيبة العنوان لا غيبة المعنون – في تثبيت شيعته وقواعده الشعبيَّة المؤمنة وحراستها، كما لا يماري في فائدة الشمس وضرورتها وإنْ سترها السحاب.
كيف، ولولا مراعاته ودعائه (عجَّل الله فرجه) لاصطلمها الأعداء ونزل بها اللأواء؟!
ولا يشكُّ أحد من الشيعة أنَّ إمامه أمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء(٧).
وقد وردت روايات متكاثرة عن أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) تنصبُّ في مجال ربط الشيعة بإمامهم المنتظر (عجَّل الله فرجه)، وجاء في بعضها أنَّه (عجَّل الله فرجه) يحضر الموسم فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه(٨)، وأنَّه (عجَّل الله فرجه) يدخل عليهم ويطأ بُسُطهم، كما وردت روايات جمَّة في فضل الانتظار، وفي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦) راجع: الاحتجاج (ج ٢/ ص ٣٢٥)، عنه بحار الأنوار (ج ٥٣/ ص ١٨١/ ح ٨).
(٧) قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض». كمال الدِّين (ص ٢٣٥/ باب ٢١/ ح ١٩).
(٨) راجع: كمال الدِّين (ص ٤٧٠/ باب ٤٣/ ح ٨).

وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام – صفحة 5

فضل إكثار الدعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ فيه فرج الشيعة.
وقد عني مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه) بالاهتمام بكلِّ ما يرتبط بهذا الإمام الهمام (عجَّل الله فرجه)، سواءً بطباعة ونشر الكُتُب المختصَّة به (عجَّل الله فرجه)، أو إقامة الندوات العلميَّة التخصُّصيَّة في الإمام (عجَّل الله فرجه) ونشرها في كُتيِّبات أو من خلال شبكة الانترنيت، ومن جملة نشاطات هذا المركز نشر سلسلة التراث المهدويِّ، ويتضمَّن تحقيق ونشر الكُتُب المؤلَّفة في الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه)، من أجل إغناء الثقافة المهدويَّة، ورفداً للمكتبة الإسلاميَّة الشيعيَّة.
نسأله (عزَّ من مسؤول) أنْ يأخذ بأيدينا، وأنْ يُبارك في جهودنا ومساعينا، وأنْ يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، والحمد لله ربِّ العالمين.
ومن الله التوفيق.
مدير المركز
السيِّد محمّد القبانچي

وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام – صفحة 6

شاهد أيضاً

کل فصل دراسي في الحوزة “خندق للدفاع عن العقائد”

وكالة الحوزة – دعا آية الله عليرضا الأعرافي، مدير الحوزات العلمية في إيران، إلى تبني ...